حكاية عمك التوم
بقلم:هشام عباس زكريا
بقلم:هشام عباس زكريا
في إحدى قروبات الواتساب التي أشارك فيها ،قررت مجموعة من سكان الحي توظيفه من أجل التأمين، وهي فكرة ممتازة تؤكد الوعي الأمني للمواطنين، وتسهم في تبادل المعلومات من أجل الحفاظ على الأرواح والممتلكات في ظل الوضع الذي تشهده البلاد، العم التوم أنزل رسالة في المجموعة.
أشار فيها إلى أن سرية من المتمردين أغاروا على الحي بدفار ومواتر والكل مدجج بالسلاح وهم يقومون بتفتيش عام ويحققون مع الأسر الموجودة ،وحتى المنازل الخالية تم كسرها والاعتداء عليها.
إلى هنا والأمر طبيعي خاصة أن المجموعة غرضها تبادل المعلومات والتفكير الجماعي في الحماية، لكن غير الطبيعي هو تعليق أحد أفراد المجموعة أن العم التوم كاذب، وقعت الكلمة كالصاعقة على أعضاء المجموعة لأن العم التوم له قدر كبير من الاحترام والتوقير في الحي مما جعل معظم الأعضاء يدافعون عنه وهو حق مشروع لهم لمعرفتهم بأخلاقه وصفاته.
إن حكاية عمك التوم، تعبر عن أزمة الاتصال من البعض، فهناك فرق كبير بين الكذب والكلام غير الصحيح، فالأثر النفسي واسع بين أن تقول لشخص أنت (كاذب) وأن تقول له (المعلومات يبدو أنها غير دقيقة)، والمعنى واحد لكن الأثر النفسي مختلف.
والمشكلة تكمن أن التواصل الافتراضي يجعلنا في فضاء مع أناس لا نعرف خلفياتهم الاجتماعية والتاريخية ومستواهم الثقافي والعمري والفكري، وبالتالي يتم إطلاق العبارات دون النظر لهذه المؤثرات التكوينية، الأمر الذي يتطلب الحذر في انتقاء العبارات عند المشاركة في هذا النوع من الاتصال.
لقد درجت بعض الدول إلى إدخال مقرر مهارات الاتصال في مناهجها التربوية منذ المراحل الابتدائية لذا استطاعت بكفاءة توظيف هذا النمط من الاتصال لصالح التنمية، وفي تقديري الخاص أن الأزمة التي نعيش فيها الآن جزء كبير منها فوضى الاتصال غير الخاضع للقيم والقانون في بلد لا توجد فيه تشريعات للاتصال حتى الآن.
والنخب تعتبر أن القانون ضد الحريات وما يعلمون أن القانون حماية متبادلة لعدم استخدام هذه الوسائل في بث الكراهية والفتن والشتم والتجريم كما يحدث الآن في بلادنا، في وقت أصبحت فيه الرسالة الاتصالية دولية وبالتالي تساهم في ترسيخ صورة ذهنية غير حقيقية عن الشخصية السودانية التي عُرفت بالتسامح والتسامي عن الصغائر والبعد عن التقليل من شأن الآخرين.
إن حكاية العم التوم هي نموذج واحد من نماذج تجعل الكثير من الحادبين على المصلحة العامة اعتزال هذه الوسائط وتركها للبعض ممن لا يقدرون أثر الكلمة وبعدها النفسي. وفي تقديري أن أولى إصلاحات ما بعد الحرب هي تقوية القوانين الاتصالية وقبل ذلك تعميق قيم التوعية الإيجابية في ممارسة الاتصال الافتراضي.