حكايات من دولة ٥٦
بقلم: خالد البلولة
زرت قرية ود الهميم فى منطقة تمبول هناك التقيت برجل خمسيني اسمه(من الله)رجل من رمن مختلف يمارس مهنته عبر عربة الكارو فى سوق تمبول،يحمّل البضائع لاصحابها بسعر معلوم بينه واصحاب البضائع او الاغراض،وبعد ان ينتهي من عمله يغشي استاد تمبول يربط حماره ويوقف(الكارو)ليمارس هواية المحببة لعبة كرة القدم.
واحيانا يلعب مباراة يكون خصمه فيها بعض ابنائه من صلبه،وهو فى فريق واولاده فى الفريق الأخر،وعند بدء المباراة تتعالى صيحات الجماهير بالهتافات(يامن الله حمارك عار ) وبعد تنتهي المباراة بالفوز او الخسارة يخرج من الله من استاد تمبول تلاحقه هتافات الجمهور بمحبة شديدة (يا من الله حمارك عار)..
يحكى(من الله)أنه ذهب لمدينة الحصاحيصا وبعد شراء أغراضه -بعد لقاءه معه فى برنامج دنيا بتلفزيون السودان-توقف عند محل للمرطبات وتناول كوبا من الليمون،لاحظ الناس تشير(يا هو ذاته).سالني صاحب المحل (انت من الله)؟أمس شفتك فى التلفزيون من ذلك اللقاء صار (من الله)نجماً متوجاً فى دولة ٥٦، بعرقه وكده وكفاحه.
(٢)
ايام ميعة الصبا،ومع اشقائي (الحاج واحمد وبابكر)نذهب مع الوالد راجلين مسافة ١٤ كيلو ذهاباً من النوبة حتى قرية التي حتى نصل الى بنطون من الضفة الغربية للنيل الأزرق ونمشي مثلها بالجهة الشرقية حتى قرية البنبوناب،وكنا نمشي ونقود عدد الابقار والاغنام والماعز.
نكابد فيها التعب والرهق والظمأ،كنا نمارس تلك المهام ونحن صبية وشباب،ولم نشعر بأي غبن او ظلم من دولة ٥٦.
ولم نبحث عن ديمقراطية فى بيوت الناس تخلصنا من مظالم دولة ٥٦كما يظن البعض.
(٣)
فى قرية الكريمت بالمناقل،صادف زيارتنا مع التلفزيون نفير اقامه اهل القرية لإعادة بناء غرفة تهدمت،صاحبها مواطن من أهل القرية،توافد الناس من هنا وهناك كل يحمل ما تيسر (رطل سكر، قُبضة من عيش ذرة،رغيف،عصير،).
وهناك شباب يعمل فى أعداد ملطم الطين للبنيان، وأخر يحمل جركانة ماء،ونسوة يعدن طعام الافطار،الناس كانت كخلية النحل، تتعاون وتتكاتف وتتضافر لتعمر،لا تعرف من اى هوية احد، اللهم هناك صوت واحد يعلو (هنا الكريمت).
فى غمرة هذا النفير العامر بالمحبة،قلت لماذا لا نكون نحن جزء من هذا النفير،؟يجب ان تعمل كاميرتنا لتوصيل رسالة للناس ،هنا الكريمت تكاتفوا تعاونوا تعاضدوا، فى تلك الاثناء جاءني شاب دس فى يدي مبلغا ماليا، سالته ما هذا؟قال هذا حق البنزين!.
قلت نحن مؤسسة حكومية ثم الناس هنا تكاتفت وتازرت وتعاونت،مع بعضها البعض تريدنا ان نتخاذل عن هذا الصنيع العظيم؟
أهل الكريمت حزموا أمرهم واصبحوا كالمسبحة،فى عقد منضوم حرصوا عليه من الانفراط فاذا انفرط حبة واحدة تعنى انفراط عقد الجماع،وظلوا ركنا ركينا فى دولة ٥٦.
(٤).
رسم الفنان المبدع Kamal Freabi عبر كاميرته لوحة رائعة لرجل بسيط ولسان حاله يقول كما قال المتنبيء (أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها **وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ).
الصورة لا تعكس المشهد كاملاً،لكنه ترك عنقريبه وذهب باحثا عن الرزق الحلال ، لم يكترث لترتيب عنقريبه ..الصورة فى تقديري معبرة وبسيطة وتعكس بعض النماذج الحياتية لدولة ٥٦ التي يعتقد البعض انها استاثرت بخيرات اهل السودان.
(اخيراً :- )
زار مسؤول جنوبي رفيع فى حقبة ما من حقب دولة ٥٦ الولاية الشمالية قبيل التقسيم،وراي بام عينيه كيف يعيش مواطن هناك فى ٥٦ وقال قولته المشهورة (انتم أولى بالتمرد).