في تشخيص ازمة الإعلام السوداني

بروفيسور: محمد بابكر العوض

 

 

لا اعتقد أن هناك شيء يستحق من الإعلامي السوداني الإنتباه والتركيز مثل دراماتيكية الإنهيار الذي شهدته المنظومة الإعلامية خلال أيام الحرب، وإستراتيجيات التفكيك الممنهج التي طبقت عليها.

كنا نعتقد انه اذا كان هنالك شيء واحد في بنية الدولة السودانية يستطيع أن يحاكي في صموده أمام عاديات الزمن بوابة عبد القيوم التاريخية فهو الإعلام السوداني بعراقته التي تفوق عمر الدولة الحديثة، وعمقه الاجتماعي والثقافي، في الحيشان الثلاثة واهرامات الصحافة ونجومها اللامعين، إلا أن ما حدث فور اندلاع الحرب هو عكس ذلك تماماً.

وأصبح الواحد كلما نظر لواقعنا يستشعر حقيقة أننا نعيش أزمة عميقة في مهنة الصحافة والإعلام في السودان.

وأن هذا المجال الحيوي يعاني من اختلالات جذرية، تراكمت عبر السنين، لتُظهر لنا واقعاً مؤلماً يُشعِر المتخصصين بالخذلان واليأس.

أولاً تعاني صحافتنا من مشاكل مهنية وإدارية وأكاديمية عديدة، تُعرقل تقدمها وتُحد من قدرتها على أداء دورها الحقيقي في المجتمع.

من ناحية، نجد أجيالاً من الصحفيين الملتزمين والمبدعين، الذين يسعون بجدية إلى ممارسة المهنة بشرف ومهنية، ولكنهم يصطدمون بواقع مرير؛ حيث تتسيد المشهد أسماء غير مؤهلة، تعتمد على علاقات وشبكات خاصة لتولي المناصب الإعلامية البارزة.

في نفس السياق، تواجه المؤسسات الإعلامية مشكلة في تقييم الكفاءة، حيث يمكن لأي شخص يمتلك القليل من المهارات الكتابية أو الجمالية أن يصبح نجماً إعلامياً،هذه الظاهرة أفرزت جيلاً من الإعلاميين الذين يفتقرون إلى العمق والمعرفة الحقيقية، مما ترك أثره واضحاً على مستوى وجودة الصحافة في بلادنا.

إلى جانب ذلك يأتي ما يشير إليه النقال السابق من حروب وصراعات داخلية، أدت بدرها لتشتيت الإعلاميين وضياع المؤسسات الإعلامية.

في تقديري هذا الواقع المرير يتطلب إعادة النظر في كل مفاصل المهنة، بدءً من التعليم الإعلامي وصولاً إلى التوظيف والممارسات المهنية.

في تقديري الآن وفي مواجهة التحديات السابقة تظهر فرص جديدة، فبعض الإعلاميين الموهوبين استطاعوا أن يتأقلموا مع الظروف الصعبة، مستخدمين التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة لبناء منصات إعلامية جديدة تعبر عنهم وعن رؤاهم بصدق وإخلاص.

ولا شك أن النجاح في هذا المجال يحتاج إلى رؤية جديدة، وإلى دعم الكفاءات الحقيقية التي تستطيع أن ترفع من مستوى الصحافة وتعيد لها مجدها ومكانتها في المجتمع. والأمل لا يزال قائماً بأن تظهر أسماء جديدة، تمتلك القدرة على الابتكار والتطوير، لتقود هذه المهنة الآفلة على ما يبدو من واقعه نحو مستقبل مغاير.
والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى