أقبض حرامي (1)

د. خالد يوسف بكري

 

* لو أنك التقيت بمجموعة من الشباب وطرحت عليهم السؤال التالي: هل يمكننا الاستغناء عن شبكة الإنترنت عن طريق استخدام جهاز الهاتف المحمول؟

مقالات ذات صلة

* فإن الإجابة التي ستتلقاها: لا..لا.. لايمكن الاستغناء عن شبكة الإنترنت. ويمكن لمن يجيبك، أن يعطيك قائمة لا تنتهي من الأسباب، والدوافع والحثيثيات، التي تدعم سبب عدم القدرة على الاستغناء عن شبكة الإنترنت، بل إنك عندما تطرح مثل هذا السؤال قد ينظر لك بذهول واستغراب، والبعض قد يجد في السؤال نفسه خطأ، فلا يفترض طرح سؤال إجابته البديهية واضحة.

* مثل هذا السؤال الذي طرحته، يذهب بنا نحو نقطة رئيسية مهمة تتعلق بالتعود، وأستخدم كلمة تعود، للتخفيف من كلمة أخرى، هي( الإدمان) لأنه مع الأسف الشديد، رصدت الكثير من الدراسات والبحوث أن تصفح شبكة الإنترنت، لدى شريحة من الناس، بات بمثابة عادة يومية، ومستمرة، ومعها لا يمكن الابتعاد عن شاشة الكمبيوتر أو شاشة الهاتف الجوال.

* وعلى سبيل المثال، مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقضي البعض ساعات طويلة، وهو يتصفح هاتفه الجوال، ويتنقل من تطبيق لآخر، ويقضي في كل تطبيق أوقاتاً غير قصيرة، وهو لا يتوقف ولا يبطئ من اهتمامه وشغفه، بل على العكس يتزايد، والمعضلة أنه في يومه، يشعر بالإرهاق والتعب، وبحاجته الملحة للنوم، ويعتقد أن ذلك بسبب قلة النوم، أو الإرهاق في العمل، والحقيقة أن السبب أن العقل متعب، ومستنزف تماماً، بسبب تصفحه المستمر لعدة تطبيقات من مواقع التواصل الاجتماعي.

* ولا تنس الألعاب، التي تطورت تطوراً مهولاً، وباتت كأنها أفلام يتم التحكم بأحداثها، والدخول في تحالفات مع لاعبين آخرين من مختلف أرجاء العالم.

* من البديهي أن يقال باستحالة تصور العالم دون شبكة الإنترنت، لكن السبب ليس الخدمات التي تقدمها هذه الشبكة، والتسهيلات التي أحدثتها، بل في جوانب أخرى يغلب عليها طابع الترفيه السلبي، لذا يقال بأنه (إدمان رقمي).
* وانتقل الترفيه في حياتنا المعاصرة من خانة الكماليات إلى قائمة الضروريات.

* وأصبح اللعب والتسلية من الأمور الثابتة في حياة الناس التي لا يمكنهم الاستغناء عنها، فجعلوا لها البرامج المنتظمة، وحددوا لها الأوقات المتعددة، حتى خرج بهم ذلك عن مقصود الشرع من الترفية. وما كان ذلك إلا نتيجة للفراغ الموجود في حياة كثير الناس.

* فنعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ، كما في صحيح الإمام البخاري، كما لا تزول قدم عبد يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم(الترمذي).

* أقبض حرامي.. من أجمل محاضرات فضيلة الشيخ محمد سيد حاج – رحمه الله تعالى – تحدث فيها عن أضرار جهاز الهاتف المحمول، وحدد (9) أضرار للهاتف.
* تحدث عن اضرار الهاتف عندما كان الهاتف عبارة عن (هاتف وشريحة فقط ) فكيف به لو رأى زماننا هذا وقد احتلته جيوش مواقع وتطبيقات الإنترنت.

* عموما المحاضرة قيمة ومفيدة وجديرة بالاستماع.
* وأثبتت الدراسات أن مقتني الهواتف الذكية يستخدمونها في المتوسط أكثر من ثلاث ساعات يوميا، وهناك تقارير مقلقة عن إدمان استخدامها لدرجة أنها قد لا تفارقهم أثناء القيادة، بل وحتى داخل الحمام.

* وأشارت تلك الدراسات إلى أن 2 من كل ثلاثة أشخاص مدمنون على هواتفهم، وذلك بسبب زيادة قدرها 39% في عدد الساعات التي يقضيها الأشخاص في استخدام هواتفهم الذكية، مع العلم بأن تلك الأرقام تتزايد باستمرار.

* كما أشارت الإحصائيات إلى رقم آخر لا يقل غرابة عما سبق، فلا يستطيع 68% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا، إبعاد أيديهم عن هواتفهم الذكية لمدة ساعة متواصلة، وإن أرغمو على ذلك سينتابهم شعور أنه يجب التحقق ما إذا كانت كارثة قد حدثت خلال تلك الساعة.
* وفي خاتمة هذا المقال، اطرح عليك السؤال التالي : كم سرق منك هاتفك الجوال من وقت؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى