ما وراء الإعلام
د. خالد يوسف بكري
* لا يخفى على أحد بأن الإعلام أصبح رافدا ثقافيا هاما في حياة الطبقة الثقافية، وزادتهم ثقافة وإطلاعا ومواكبة لمجريات الأمور.. فمواقع التواصل الاجتماعي – مثلا- مكنت البسطاء من تملك صفحة إعلامية شخصية، وصار لهم ساحة إعلامية خاصة تتضمن المشاركة اليومية في بث آرائهم وأطروحاتهم والتفاعل مع ثقافة الغير تأييدا وتحليلا وتجاوبا وتعارضا.
* هذا الحراك الثقافي أدى إلى الانخراط في أتون الثقافة والاستزادة من معينها حتى ولو عن طريق المعلومة الخفيفة والسريعة، بعدما كان دور الفرد إعلاميا قاصرا على التلقي فقط.
* والإعلام مشروع اقتصادي غير فعال، فهو مرتفع التكاليف، بالغ المخاطرة، بطيء الربحية، لا يقدم عليه إلا صاحب هدف غير اقتصادي غالبا، وإن كان اقتصاديا فهو مشروع يخدم مشاريع اقتصادية أخرى وليس لذاته.
* فالإعلام ليس تجاري بحت كما يروج له دائما، بل يمكن القول بأن الكثير من الفضائيات تقوم على أساس تشكيل الوعي وفقا لرغبات أساطين الإعلام، عبر الترويج لسياسات ومذاهب وأفكار معينة، سواء من خلال الإعلان المباشر- وهو أقل الطرق استخداما- أو من خلال البث المبطن لأفكار ورؤى يتم تمريرها من خلال البرامج والأعمال الدرامية والأخبار والتغطيات.
* وعلى الرغم من إيجابيات هذه الثورة الإعلامية والوسائل المتطورة في مجال التثقيف والأخبار، وربط المجتمع البشري بما يحدث في أنحاء العالم لحظة بلحظة، وما تحقق من وعي ويقظة فكرية بين الأجيال الجديدة في هذا العالم… فإنه لم يخل من سلبيات خطيرة ومظاهر سالبة انجرفت إليها الكثير من محطات الإرسال والبث ودور النشر والطباعة، سواء كان ذلك بغرض الهدم المقصود لما تعارف عليه الناس من قيم ومُثل.
أو بغرض الكسب المادي ، وكلها ولا شك قادت نحو آثار سالبة ظهرت في العديد من الدول، وخصوصا في مجال الفكر والثقافة والآداب العامة، مما أوجد صراعا رهيبا في عقول الناشئة ومعارضات سالبة من جانب المفكرين والمربين.
* فوقع العالم في حيرة نتيجة هذا الصراع بين ثقافات متعارضة ودول مختلفة ليضع الأجيال الحالية في حيرة، بل وأحيانا في ضياع وتيه.
* ولعل من مساوئ هذه الهجمات والأفكار ما كان منها بغرض الاستهداف والاعتداء والافتراء على نظم بعينها أو مبادئ سائدة بغرض تحقيق انصراف الناس عن هذه المبادئ على هذه النظم بما يحقق سيطرة أفكار ونظم الجهات التي تقف خلف هذه الرسائل والبرامج الإعلامية الغازية.
* ومع تطور الحياة السياسية والاجتماعية تعددت الدول وقامت معظمها على مبادئ وأفكار وقيم مختلفة، وكل دولة تسعى لسيادة مبادئها وانتشار أفكارها وإخضاع الآخرين لما يرونه من مبادئ واتجاهات، فكان هذا الصراع العالمي الذي اتخذ شكل الحروب والقتال والغزو العسكري.
* وظهر الإعلام كسلاح خطير في هذا الصراع الدولي، ولا سيما بعد أن توفرت له وسائل متطورة، لها قدرة الوصول إلى أي مجتمع بكل سهولة وبساطة.. فحظي الإعلام بذلك باهتمام كبير من جانب الدول والمجتمعات والهيئات في عالمنا المعاصر، وأصبحت الرسالة الإعلامية تحمل فكر مرسلها، وتعمل في كافة مجالات النشاط الإنساني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفنيا.
* وما نشاهده اليوم من هذا الفيض الهائل من البرامج المسموعة والمقروءة والمرئية والتي تحملها أجهزة متطورة يوما بعد يوم لدليل واضح على خطورة الإعلام وأهميته بالنسبة لأي جماعة أو دولة تتطلع للسيادة والانتشار.
* فكان الإعلام بذلك قوة ضغط فاعلة تربط المجتمع الإنساني بمضامين واتجاهات متعددة بغرض التحول والإقناع، ومن ثم الاتباع والولاء.