مرت الأيام حبيبي
أ. د. عبدالله محمد الأمين
غابت الإبتسامة، وكل يوم يومين عزيز من حلتنا يرحل،نهرب للفضائيات فنرى الموت بالجملة في بلدنا وفي غزة وفي لبنان… الإحساس بالعجز والقهر قد بلغ منتهاه حيث لا دولة تحميك.. ولا حكومات عربية تحمي أخوانها المستضعفين… ولكي نعيش ويحيا الأمل نهرب للماضي، نتجاهل ونتغافل… ونكتب عن ذكرياتنا فهي أحلى وهي ذات حاضر الهادي آدم حينما كتب: قد يكون الغيب حلوا، إنما الحاضر أحلى…
وتظل بعض ذكريات الشباب مخفية في إحدى غرف القلب المغلقة بالضبة والمفتاح… وحدك تسمع أنينها مع كل نبضة من نبضات قلبك. وفي غمرة الانكباب على العمل والجري وراء العلم وتضخيم دور العقل والعقلنة تناسينا أمر هذه القلوب التي من حقها أن تتنفس أكسجين من تحب بدلا من تنفس ثاني أكسيد كربون تفاهة العالم حولنا.
في هذه الإقامة الجبرية المفروضة علينا بسبب الحرب لفينا الحلة شارع، شارع.. وزقاق، زقاق، وبيت، بيت لكن تحاشينا ذلك الشارع، وتحاشينا تلك الأزقة التي توصل لذلك الشارع، وتحاشينا ذلك البيت.. وهو أحب البيوت إلينا في ذلك الزمان العفيف وذلك منعا لإثارة الشجون في فترة الوهن العاطفي التي نحياها، ومنعا للقيل والقال وقد امتلأت الشوارع بالمتسكعين.
كانت حالنا في ذلك الزمان حال مغيث وبريرة ولم يكن هناك من هو في رحمة نبينا ليشفع لنا لذلك كان السقوط مروعا والذكريات أليمة… وقد عبر شاعرنا خير تعبير حينما قال: قصة الريد القديمة بسألوني عليها ديمة، كل ما حاولت أنسى أهاجوا ذكراها الأليمة.
الحنبلة والعقلنة المدعاة ووهم المعرفة تمنع الكثيرين الحديث عن تلك الإنسانة الساكنة بين تلافيف الروح… وفي حياة كل منا إنسانة منحت لإنسانيتنا معناها، شجعتنا حينما كانت العراقيل توضع في دروبنا… علمتنا الحفر بالإبرة لنفتح مسارا في جبال المستحيل وذلك قبل أن يكتشف الفريق البرهان ذلك بأكثر من ثلاثين عاما..هكذا مرت الأيام حبيبي.. ولسه ظالمنا الزمن…. ولو بتعرفني كم بتعب… وكم بتألم وأقول يا ريتني ما حبيت… أضييع أنا…. كم من مغيث وكم من بريرة فرقت بينهم البيئة وظروفها وعلقنا كل شي على شماعة القسمة والنصيب؟
الفقيه الظاهري ابن حزم كتب كتابه طوق الحمامة في الإلف والإيلاف خصصه للمتحابين من الجنسين وأن الحل لإشكال العاطفة هو تزويج المتحابين ومنع الجرجرة والتعسير.
أتحسر وأنا أرى الشباب ممن قارب عمرهم الأربعين وهم لم يتزوجوا بعد… أتحسر وأنا أرى الكثير من الشابات وقد كاد قطار الزواج أن يتجاوزهن… والآباء والأمهات يتغافلون عن المحنة وما زالوا في محطة القسمة والنصيب دون مراجعة للعقليات والشكليات ووضع حد لمعاناة أولادهم وبناتهم.. فهؤلاء الأولاد والبنات لهم حاجاتهم العاطفية والبيلوجية التي ينبغي اشباعها وإن لم تشبع بالحلال فالويل ثم الويل لمجتمع المسلمين.
لعل من إيجابيات الحرب أن بعض القرى بادرت إلى تبسيط الزواج إلى أقصى حد فالمال في بعضها خمسون ألف وفي البعض الآخر مئة ألف والعقد بلح وعصير مع إلغاء الوليمة أو اقتصارها على أهل العروسين أو إفطار إن وجدوا خروفا أو عجلا حيث اختفت البهائم بسبب السرقة المسماة شفشفة في عصر تزييف المصطلحات وإباحة الحرام…وكنت قد تحدثت مع بعض الشباب والآباء لاهتبال هذه الفرصة التي وفرتها الحرب في تخفيض المهور والعودة لسنة نبينا المباركة.
ونسأل الله أن يزوج العزابة والعازبات ونسأله سبحانه وتعالى أن يفتح على المتزوجين بالمثنى والثلاث والرباع تفريجا للكربات ورفعا للمعاناة عن المتزوجين بنظام (غطي قدحك) وتقليلا للنقنقة بالبيوت..وترتيبا لمسألة الرفقة بالجنة حيث زعموا أن الحوريات هن نساء الدنيا وقيل أنهن يرافقن أزواجهن مع قليل من التعديلات…وأنا وإن لم أتعمق في هذه المسألة فلسفيا وإكتفائي بآيات القرآن التي بشرتنا بالحور العين وهن نوع آخر فأرى أنه لا بأس أن تضاف لهن زوجة الدنيا إن كانت محبوبة لزوجها وإن لم تكن محبوبة له فليتمنى لها الخير وليسأل الله لها أن تدخل الجنة ولتحل مشكلتها في مسألة الزواج حيث إن المسألة تحتاج إلى اجتهاد فلنفرض أن المرأة دخلت الجنة مثل زوجة وزوجها لم يدخل،أو دخلا الجنة سويا ولم يرغبا في العيش سويا فكيف يحل اشكال الزوج للمرأة؟والقرآن تحدث عن الحور العين…فهل الحور يشمل النوعين،ذكور وإناث أم يختص بالإناث فقط؟
وعلى العموم فإن ابن سينا في كتابه الأضحوية في المعاد حاول نسف تعبنا في العبادة لله وقال النعيم والعذاب للروح وليس الجسد وإنه حكاية تعذيب الجسد بالنار والنعيم في الجنة أمور أراد بها الأنبياء تقريب المعاني للعامة فتحدثوا عن الجنة والنار..والموضوع جرجر لإنكار عذاب القبر ونعيمه والبعث وجماعتنا المركبين مكنة المجتهدين في انكار عذاب القبر ونعيمه سرقوا أفكار ابن سينا..وقد حدثني صاحبي وهو بروف تفسير أن ابن سينا شيعي ومتعاطي خمور ولم اتحقق من الرواية حتى الآن.
وعودا على بدء فالمرأة كيان لطيف وشفيف..والنساء شقائق الرجال وقد مدحهن القرآن غاية المدح ومنحهن حصانة دستورية وهي الحصانة التي أكدها الرسول صلى الله عليه في حجة الوداع…فإذا أراد الرجل الزواج فليتزوج من يحب وليتحمل مسئوليته وأظفر بذات الدين تربت يداك فمع تحولات العولمة واستهداف الأسرة المسلمة فإن ذات الدين ضرورة ملحة.
“يا صحو الذكرى المنسية
من بعدك وين الحنية
بتعدي مواسم وتروح
والفرقة بتصبح أبدية
من بعدك دنيا بتشقيني
وخطايا بعدك تواهة
الحزن الخيم في قلبي
وأيامي الفاتت أفراحا
لا فرحة بدونك بتفيدني
لا قلبي وراك بلقى الراحة”