قراصنة العقول
د.خالد يوسف بكري
* يعيش المجتمع حرب فكرية على الهوية الإسلامية، حيث يسعى جاهدا دعاة التغريب إلى صياغة مجتمع نسخة طبق الأصل للنموذج الغربي بجميع سلبياته، بل نجد بعض هؤلاء يجعل استيراد الأفكار الغربية من أولى أولوياته.
* يشعر رب كل أسرة بالخوف والفزع على ضياع الأبناء من تحت يده، عند رؤية هوية أبناءه علي المحك بسبب تكالب وانتزاع واستبدال ثقافة الأبناء بثقافات أخرى طمساً أو تشويهاً، وهذا ما يسمي اصطلاحا بالاستلاب أو التغريب.
* الآن الاستلاب تعدى الفضاءات المفتوحة والمتاحة ليتحول من المسخ والتشويه إلى التبديل، من حضارات وثقافات لم يقتنع أهلها بمزاحمتنا بثقافاتهم المستوردة والمعلبة في مواجهة حضاراتنا الضاربة في العراقة عبر إلباسها لثوب العُرِي -العولمة- بل تجرأت في محاولة تعمق خجولة محاولة سلب الأمة هويتها وعنوانها.
* إن الاستلاب تمكن منا ثقافياً واجتماعيا واقتصاديا إلا إنه وصل حد التمكن عند استهدافه الدين، فاجتماعيا صار الشباب مقلدا في الزواج بما يشبه النموذج الغربي كثيرا.
* فكان ما كان من إقدام الشباب علي الزواج (من الجنسين) بعد عمر متأخر وما يترتب عليه من تحديد عدد مرات الإنجاب وإيلاء الإجراءات الشكلية فيه اهتماما كبيرا كتضخيم نفقاته والإسراف في ضجيج الاحتفال به، وقبل ذلك وضع العقبات أمامه، فإن ذلك كله استيراد مخل لأفكار دخيلة.
* واستشعارا بخطر الاستلاب؛ رُبَّما يُقَرِّب لنا الحكمة من كون الإسلام لم يُخَاطِب أولى الأمر في جميع التشريعات مع مسؤوليتهم العامة في حفظها ؛ وإنما خاطب المكلفين مباشرة.
* ذلك لأن الحاكم قد تضطره مقتضيات السياسة أو أي ظرف آخر إلى خفض مستوى مسؤولياته عن الحفاظ على القِيَم والأخلاق ، فعندها لا يبقى المجتمع المسلم مكشوفا أمام دُعَاة الانحراف القِيَمِي من داخله أو من خارجه ، وإنما يَلْتَفِت إلى الخطاب العريض الذي وجهه إليه الشارع الحكيم باعتباره المسؤول الأول عن الحفاظ على القِيَم.
* كل ذلك يدعو العلماء والوعاظ والدعاة إلى العمل على تعزيز مشاعر المسؤولية عن الأخلاق والقِيَم في نفوس الناس من منطلق ( كلكم راع ومسؤول عن رعيته ) لأن اعتياد الناس على إلقاء المسؤولية عن عاتق الحاكم فقط، ليس سوى عمل بجزء من الحديث وهو ( فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ) وترك الباقي وهو ( فالرجل راع ..والمرأة راعية).
* كما أن ضعف المجتمعات المسلمة عن مسؤوليتها في حماية القِيَم تَجبُرُه قوة السلطان: (إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن).
* يظل الوازع القرآني والنبوي هو الأقوى تأثيراً حال وجوده، ولهذا فالمسؤولية المجتمعية في هذا الوازع لا غير.