الدكتور آمنة الطيب تكتب: دخلناها ودمدني

بدعاء الغبش والمساجد والمآذن والخلاوى والزوايا والمسيد دخلناها بدعاء المظلومين المغلوبين المقهورين دخلناها بعزيمة قوات موحدة دخلناها بفرحة مشوبة بحزن عميق دخلناها وقد أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا يضحك النور إلينا من بعيد.
دخلناها وقد مات النوار عطشاً وانطفأ النور غدراً دخلناها وقد لفها الظلام الحالك الموحش وعمها السكون المرعب فلا حراك فيها ولا ضوضاء وكان ودمدني الأمس ليست هي التي نراها وكيف تكون هي وقد مسها ضر الجنجويد الذين لايعرفون
أدب وفن التعامل مع اسلحتهم فقد أعملوها في البشر والحجر والشجر.
والمضخات والمولدات واسلاك الكهرباء واعمدتها ومحطات توليدها ومحطات المياه فعلوا كل هذا ليطفئوا النور ويغتالوا الإشراق ولكن هيهات هيهات٠
حين اقتربنا من بيتنا إنتابتني مشاعر مختلفة؛ شوق وحنين وخوف وانين التقينا أخانا ونفراً كريماً من الصابرين الصامدين المحتسبين من جيراننا وكان اللقاء مترعاً بالدموع ذرفناها شوقاً لمستقبلينا وديارنا وذرفناها الماً على من فقدنا وفقدوا وذرفناها حزناً على ما آلت إليه مدينة ودمدني والجزيرة كلها من تدمير وتخريب وتهجير.
كل هذا ونحن وسط جيراننا أمام دارنا التي لم نستطع دخولها وكيف لنا الدخول وقد سبقنا الجن جويد اليها وأكثروا فيها الفساد. إصطحبنا نفر كريم من الجيران لقضاء الليلة معهم وسبقنا الشوق عند الفجر لدارنا فدخلناها وقد أنكرت عينا راسي ماتراه وضاع الكلام مني حينها فالجن جويد قد قلبوها راساً على عقب ٍ تماماً وتعاملوا بذات الحقد الذي مارسوه في المتاجر والمرافق وفتحوا بالذخيرة كل ما أستعصى فتحه من أبواب دواليب.
وبعثرو ونشروا (وشتتوا) والقوا ارضاً كل شيئ ( الملابس والملايات والأدوات المنزلية والكتب وكل شيء) (فقد بحتوا المنازل بحتاً) وعاثوا فيها الفساد والفوضى وكسروا وسلبوا ونهبوا كل نفيس بل وصلت بهم الفظاظة و البشاعة بان تركوا بيوتاً خالية تماماً من الاثاث و أخرى سلبوا شبابيكها و ابوابها و مظلاتها. اي بشر هؤلاء والى اي شرعة ٍ ينتمون.
تحلق حولنا الصابرون المحتسبون وقد إنتحلت أجسادهم وشحبت ألوانهم ورووا لنا من الروايات مايشيب من هوله الولدان فقد كان الاوباش يتسورون عليهم ليل نهار
وان كانت الابواب مشرعة
وتحدثوا عن الرعب الذي أصابهم، وعن شح الطعام، وعتمة الليل البهيم.
وتحدثوا عن الفزع الذي أصابهم أثناء فترة التحرير وملاحقة الاوباش بالطيران الحربي،
وتحدثوا عن الفرحة العارمة والسرور الدفاق والشعور الذي لا يوصف بدخول الجيش ودمدني وقد أجزم الكثيرون بانهم لم يذوقوا طعم النوم إلا بدخول الجيش.
فالتحية للجيش الموحد صانع الأمان والاطمئنان
وتشهد ودمدني الآن رحلات إياب يومية فحلوة هي ودمدني بالظلام (وماء الحمار-كما يقول الاطفال-)
والتحية للجهود المكثفة المبذولة لإيصال المياه لكافة أحياء ودمدني ونطالب بالاسراع في ايصالها فالاجسام منهكة لا تقوى على (نقل المياه من مسافات ٍ بعيدةٍ ورمضان على الابواب)٠ ونطالب كذلك بعودة النور والضياء٠
تعاني ودمدني من كثافة البعوض والناموس (والنجمتي) لذا نناشد بشدةٍ وزارة الصحة بالرش من منزل لمنزل وبالرش الضبابي فالأمر جد خطير.
وأخيراً التهنئة لكل من عاد لداره ومن ينتظر.
والحمد لله رب العالمين.