ياسر الفادني يكتب.. من عمق الإنطفاء…. الجزيرة تصفع الظلام

 

 

وسط الظلام الذي خيّم على ولاية الجزيرة عقب التحرير، وبين ركام المؤسسات التي نالتها يد التخريب الممنهج، لم تكن الكهرباء مجرد خدمة مفقودة، بل كانت عنوانًا للمعاناة، وشاهدًا على فداحة الاستهداف ، رغم هول الكارثة برزت حكومة ولاية الجزيرة ككتلة واحدة من الجدية والانحياز التام لمصلحة مواطنيها، تتحرك بوعي المسؤولية لا بردود الأفعال

في وقت كان فيه الدمار في مرفق الكهرباء واسعًا وعميقًا، وتمثل في نهب المحولات، وسرقة الزيوت، وتفريغ المحطات، و إنقطاع التيار عن ست محليات بالكامل، كانت حكومة الولاية تقاوم هذا الواقع بكل ما تملك، لم تنتظر منحة، ولم تركن لوعود، بل إنطلقت مباشرة لتعيد الحياة إلى قلب الولاية

أولى الخطوات كانت في مخاطبة الحاجات الفنية العاجلة، وعلى رأسها توفير زيوت المحولات وتشغيل ما يمكن تشغيله من المحطات الداخلية. فتم شراء 570 برميلًا من زيوت المحولات بتكلفة تجاوزت خمسة تريليونات جنيه، من ميزانية التنمية التي كانت مخصصة لإعمار المدارس والمستشفيات، قرار صعب، لكنه كان لازمًا، لأن عودة الكهرباء تعني عودة الماء، وعودة المرافق الصحية، وعودة الحياة

تابع والي الولاية الأستاذ الطاهر إبراهيم الخير هذه الملفات لحظة بلحظة، ووقف بنفسه على أعمال الصيانة والإصلاح، وقدّم الحوافز للعاملين، ما حفّز فرق العمل على إنجاز مهامها بإيقاع فاعل، تجلى في إعادة التيار الكهربائي إلى أكثر من 70% من مدن وأحياء وقُرى الولاية

لكن الرؤية لم تقف عند الحلول الداخلية، بل تجاوزت ذلك إلى تنسيق وطني، حيث حمل الوالي ملف الكهرباء إلى بورتسودان، والتقى بوزير الطاقة والنفط، وناقش معه واقع الدمار الكبير الذي طال القطاع، ونتج عن ذلك إتفاق على تشغيل خط مارنجان المناقل، وتوفير 300 محول كهربائي، و850 برميل زيت إضافية، إلى جانب كوابل، ووحدات طاقة شمسية لدعم المرافق الحكومية في الولاية

هذه الجهود لم تكن ترفًا إداريًا، بل كانت معركة حقيقية في وجه الخراب ومعركة الحكومة فيها لم تكن فقط تقنية أو هندسية، بل أخلاقية، تحمل همّ المواطن وتقدم إحتياجاته كأولوية فوق كل حساب، لم يكن من السهل إقتطاع تلك الميزانيات في ظل واقع خدمي هش، لكن كان من الضروري إعادة التيار حتى تعود دورة الحياة

إن ما حققته حكومة ولاية الجزيرة في هذا الظرف الحرج لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه جهدًا شجاعًا يستحق الإشادة والتقدير، فقد واجهت الأزمة بلا تردد، وتحملت مسؤوليتها في وقت كان التراجع فيه هو الأسهل، لكنها إختارت الطريق الأصعب وهو طريق الكرامة والريادة.

الجزيرة اليوم

رئيس التحرير عاصم الأمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى