ولاية الجزيرة تُخفض الوقود بينما ترتفع الأسعار في كل مكان

مدني:تاج السر ود الخير

 

 

في خطوة مفاجئة تتناقض مع التيار العام، أعلنت ولاية الجزيرة تخفيضًا غير مسبوق في أسعار الوقود، ليصبح الجالون الواحد من البنزين بـ14.656 جنيهًا بدلًا من 15.210، والجازولين بـ14.265 بدلًا من 14.818، ابتداءً من صباح اليوم الخميس. هذا القرار الذي جاء بتوصية من وزير المالية عاطف أبو شوك وموافقة الوالي، لم يكن انسياقًا مع المنحنى التصاعدي للأسعار في الولايات الأخرى، بل تحديًا له. فبينما تشهد بقية البلاد موجة ارتفاع متتالية، تكرر الجزيرة سيناريو التخفيض للمرة الثانية، وكأنها تكتب فصلًا جديدًا في الاقتصاد السوداني بعقلية مختلفة.

**اقتصاد الحرب.. ومعادلة الصمود

ما يجعل هذا القرار أكثر إثارة للدهشة هو كشف مدير الموارد البترولية حسن أحمد سليمان عن أن التخفيض تم رغم زيادة أسعار الشراء من المستودعات المركزية في بورتسودان. فكيف استطاعت الولاية أن تنفذ هذه المعادلة المستحيلة؟ الجواب يكمن في إستراتيجية مالية ذكية تعيد ترتيب الأولويات: تقليص الدعم المخصص للمجهود الحربي والرسم الولائي، مستفيدةً من استقرارها النسبي مقارنة بالولايات الأخرى. هذا ليس مجرد تخفيض في الأسعار، بل رسالة واضحة بأن الجزيرة ترفض أن تكون ضحية للأزمات، وتحول التحديات إلى فرص.

**خلفية القرار: وزارة المالية تكشف عن خطة إعادة الإعمار

قبل أسابيع، كشف وزير المالية عاطف أبو شوك النقاب عن ملامح ميزانية 2025، التي تُوجت بتخفيض اليوم. كانت الخطة واضحة: إعادة بناء ما دمرته الحرب، لكن بشرط ألا يُدفع ثمنها المواطن. فمنذ سقوط ود مدني في ديسمبر 2023، تحولت ميزانية الولاية إلى “ميزانية طوارئ”، رُصدت فيها الموارد لدعم المعارك، ثم لإصلاح المرافق المدمرة. الكهرباء التي أعيدت بالطاقة الشمسية، والمستشفيات التي أعيد بناؤها، والصناعات التي تمثل 60% من ناتج السودان والتي بدأت تستعيد أنفاسها، كلها كانت حلقات في سلسلة واحدة: “اقتصاد يقاوم”.

**الجزيرة.. عندما يصنع الاستقرار معجزة

بينما تشهد العاصمة الخرطوم وأغلب الولايات اضطرابات خانقة، استطاعت الجزيرة أن تقدم نموذجًا فريدًا. فبعد استعادة السيطرة على المناطق الزراعية، وإعادة فرض رسوم أسواق المحاصيل، وتأمين المناطق الصناعية، بدأت عجلة الاقتصاد تدور عكس الاتجاه. حتى الاستثمارات النازحة من العاصمة وجدت في الجزيرة ملاذًا، مدعومة بإعفاءات ضريبية وقانون استثماري جديد. كل هذا جعل التخفيض ممكنًا، بل جعل الولاية تتنفس هواءً مختلفًا في زمن الحرب.

**رمضان في الجزيرة.. تخفيض الأسعار ومائدة الأفكار

مع اقتراب شهر الصيام، لم تكتف الحكومة بتخفيض الوقود، بل أطلقت مراكز بيع مخفضة للسلع الأساسية، وسارعت بتسوية متأخرات الرواتب. هذه الخطوات لم تكن مجرد إجراءات آنية، بل جزءًا من فلسفة أكبر: “أن الأمن الاقتصادي للمواطن هو خط الدفاع الأول”. فالولاية التي خاضت معركة الاستقلال الاقتصادي قبل العسكري، تدرك أن المعارك لا تُربح بالبنادق وحدها.

** الولاية التي تُعلّم السودان دروسًا

اليوم، بينما تضطر الولايات لرفع الأسعار تحت ضغط الظروف، تثبت الجزيرة أن الإرادة السياسية والعقلية الاقتصادية قادرتان على صنع المعجزات. هذا التخفيض ليس مجرد رقم في إعلان، بل هو إثبات أن الحرب لا يجب أن تكون ذريعة لانهيار الاقتصاد، وأن الاستقرار – لو أُحسن إدارته – يصنع نموذجًا يحتذى به. الجزيرة تكتب بسطور هذا القرار فصلًا جديدًا في تاريخ السودان: فصل “الاقتصاد الذي هزم الحرب”.

الجزيرة اليوم

رئيس التحرير عاصم الأمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى