وحي الفنون والابداع
بقلم: د.محمد المجذوب
يعبر التعبير الفني عن محاولة تعبيرية انفعالية ، تستهدف تجسيد المشاعر الإنسانية العميقة ، بما يمكن صاحبها من القيام بعملية تواصل وتفاعل مع العالم الخارجي ، بطريقة شعورية إرادية ، مستعملاً في ذلك الكثير أو القليل من العلامات الواقعية الخارجي.
فهو بهذا المعنى يعبر عن الأسلوب الخاص بهذا الفنان أو ذاك والذي تنتقل بموجبه تجربة الإبداعية إلي الأخرين ، بما في ذلك الإدراك ، والإرادة ، والمعتقدات ، والمشاعر ، والميول ، والعادات ، والقيم ، والمفاهيم ، ونحو ذلك ، من مضامين الهوية الثقافية للمجتمع ، فهو بهذا التعريف مفهوم لا يقتصر على ما يعرض في المسارح والمعارض ، أو ما يقرأ في كتب الأدب والشعر والقصص والرواية.
أو ما يسمع في صالات الموسيقي والغناء فحسب ، ولا هو كذلك مجرد تعبير عن الخيال أو الوجدان أو العاطفة فحسب ، وإنما هو جنس من الإبداع العميق الذي يعبر عن نزوع الإنسان إلي الإبداع من أجل أن يخلع علي الكون صبغة تأويلية حقيقية.
والمعني إن الفن وحالته الإبداعية ، هو أحد مغامرات الإنسان في محاولته امتلاك المعنى النهائي للحقيقة الوجودية وتأويلها فنياً ، من خلال مجاهدته الإبداعية الانفعالية الوجدانية ، بغية تكثيف الضوء على معاني مخبؤه ومتوارية في فطرته الإنسانية.
والتي قد تصحبها الرؤية العقلية وترفدها بالحقائق الكامنة فيها ، وقد لا يحدث ذلك ، بل يتوقف الأمر على مدى تعلقها بهذا الجانب أو ذاك من نوازعها في تفاعله المتعمق مع وقائع ما من وقائع الواقع الخارجي.
إلا انه وفي كل الأحوال فان الحالة الإبداعية الفنية تبقي وظيفة كشفية للحقيقة الوجودية وتأويلها تأويلاً جمالياً وإبداعياً ، عندما تعبر الفطرة الإنسانية عن ما تراه من حقيقة بصورة موجزة وموحية ومثيرة. وتتراوح قيمة المنتوج الفني.
عندئذ بين كونه فنًا رديئًا أو رائعًا بحسب مقدار القيمة التصورية لهذه المحاولة أو تلك في امتلاكها للحقيقة وللمعني الأخلاقي المتماهي معها.
وعلى هذا النحو تكون وظيفة الفن في الحياة الثقافية الانسانية.
هي محاولة امتلاك وتفسير وتصوير “للحقيقة” النهائية للوجود ومكوناته والبحث عنها ، وتصبح هي الغاية النهائية التي يعمد إليها الفن في مخاطرته الإبداعية.
وهكذا فعندما يعرض الفنان السوداني إلى غرض من المقاصد الفنية ، سواء تعلق بأحوال الإنسان ، أو جمال الكون ، أو قصص الماضي ، أو يعرض لعمل تشكيلي ، أو واقعة وجدانية ، أو وصف عاطفي ، أو حوار وجدال ، ونحو ذلك ، من المقاصد الفنية.
فإنه إنما يرمي من وراء كل ذلك إلى إبراز وتفسير قيمة “الحقيقة” كما يراها والتي تقود الإنسان إلى معني من معاني الحقيقة بالواقعة الوجودية ككل ، والذي يعتبر هذا العمل الإبداعي أو ذاك رمزاً لها وتعبيراً جميلاً عنها .