قوة الضغط الناعمة
د. خالد يوسف بكري
* النظام العالمي الجديد مصطلح مستحدث يراد به فرض نمط سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي معين، هو نمط الأمم القوية بحيث يستهدف القضاء على التنوع والاختلاف، وطمس خصوصيات المجتمعات المختلفة، وهو ذو اتجاه واحد؛ قد تكون في أغلب الحالات متعارضة مع نمط عيش الكثير من المجتمعات، وبالخصوص منها مجتمعاتنا التي تقوم على أسس غير قابلة للتغيير، والتي يوحدها الإسلام في طريقة حياتها وفي نظرتها للأمور كافة.
* ويتضمن هذا النظام مسارًا يهيمن على العالم كلِّه اليوم، وهو ما يسمى بالعولمة.
* الذي يعني في الواقع اكتساح قيم إنتاجية واستهلاكية غربية لجميع الأمم والشعوب.
* بحيث تهدر هذه القيم تركيبة المجتمعات المختلفة وثقافاتها وحتى دينها.
* ويتصدر الإعلام قائمة الوسائل المستخدمة في إرساء ثقافة العولمة، وذلك بالتغلغل إلى أذهان الشعوب وقولبة مفاهيمهم؛ خاصة وأن الإعلام محتكر في أيدي مجموعات وشبكات مالية وسياسية في الغرب، لها أهداف مرسومة وبرامج طويلة المدى.
* وقد تفطنت منذ وقت طويل إلى أهمية الكلمة والصورة في التأثير على عقول الشعوب، والتحكم في توجهاتها وميولها الثقافية والسياسية.
* ويعتبر التأثير المعرفي للإعلام أعمق أثرا من التأثير السلوكي، لأن التأثير المعرفي بعيد الجذور يشمل الاعتقادات والآراء والهويات.
* تلك التي تتأصل بدواخلنا وتتحكم بسلوكياتنا، بعكس التأثير السلوكي الذي يضمحل تدريجيا باضمحلال المؤثر.
* والتأثير الإعلامي خفي في مضمونه، قوي في محصلته، الأمر الذي يصفه البعض بـ «قوة الضغط الناعمة» التي ترجع سطوتها من قدرة الإعلام على الاستمالة، والإقناع، والتنوع، والتكرار، والجاذبية، والإبهار، والانفتاح، وإشباع حاجات المتلقي، وقدرته على التغلغل في حياتنا، ومواكبته للأحداث التي تمر بنا، ومؤخرا قابليته لتفاعل المتلقي، سواء على المواقع الالكترونية، أو الاتصالات الهاتفية المباشرة مع مقدمي البرامج الفضائية.
* وقد وجدت دراسات تحليلية أن وسائل الإعلام تدفع الجمهور إلى تبني رأي معين من خلال إيهام المتلقي بأن موقفها يمثل الرأي العام، فتصفه مثلاً بأنه يمثل «الموقف الوطني» أو «الإحساس العام» أو أن «معظم الناس يؤيدون»، أو من خلال اللجوء إلى التقاليد الاجتماعية، والادّعاء بأن الآراء الأخرى تخالف تقاليد المجتمع، وأنها آراء شاذة، أو عبر تقديم تفسيرات قانونية اجتهادية لتصبح أعمال أصحاب الآراء الأخرى وأنشطتهم خروجاً عن القانون، وإن كانت هذه التفسيرات غير مسلمة وقابلة للنقاش”.
* الأمر الذي يحتم علينا جميعا التنبه لهذه القدرة الفائقة لأنها قد تحمل في طياتها هداية وضلالا، حقا وباطلا.. يتسرب كل هذا الزخم إلى المتلقي في خفاء -ودهاء- لا يتفطن له الكثير، وكما أن قضية التأثير الإعلامي باتت من الحقائق والمسلمات العالمية التي لا يغفل عنها أحد، ينبغي أيضا أن يصير «الإعلام المنضبط» شاغلنا الشاغل، ذاك الإعلام الذي يمدنا بكل نافع ويبعد عن كل ما من شأنه أن يعمل على طمس هوية الأمة، إعلام يتجاوز أزماته وخبثه ويقدم لنا ثمرته النافعة اليانعة التي تتماشى مع هويتنا ومنظومتنا الأخلاقية، وتدفع مسيرتنا نحو الرقي المنشود، وتحبط كل مخططات الأعداء في مسخ الأفراد وطمس الأمجاد وتأجيج الشهوات.