الدكتور عثمان أبو زيد يكتب: التكويع السوداني
شاعت كلمة (التكويع) في سوريا بعد زوال نظام بشار الأسد، وتصف حالة الذين بدلوا مواقفهم السياسية، فصاروا يعلنون رفضهم المطلق للنظام المخلوع بعد أن كانوا مؤيدين له، بل كانوا جزءًا منه. يقولون: “فلان تكوّع”، أي تحول من التأييد المطلق إلى الرفض المطلق.
ويشرحون هذه الكلمة أنها من اللغة العربية الأصيلة؛ من الكوع للدلالة على الميل والاعوجاج. وفي كلام السوريين ترد كلمة التكويع بمعنى الميل وتغيير الاتجاه فيقال لسائق السيارة كي يغير وجهته: “كوّع”. ووردت الكلمة بالمعنى نفسه في “قاموس اللهجة العامية في السودان” لعون الشريف قاسم.
ولعلنا شهدنا حالات تكويع عندما ذهب حكم الإنقاذ، وتكوع الكثير من الناس مع القادمين. ولما علا نجم محمد حمدان دقلو تكوَّعوا مرة أخرى وصاروا معه، وهاهم اليوم يتكوَّعون مرة أخرى ويبدلون مواقفهم من النقيض إلى النقيض.
وقد يقال إن تغيير المواقف والآراء في السياسة أمر طبيعي، وكذلك في العقيدة فقد يصبح الرجل مسلمًا ويمسي كافرًا كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: “بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مسلمًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل”.
وهناك من المواقف ما فيها من تغيير حقيقي لأن قناعات الإنسان تتبدل، ورأيه يتحوّل إذا اقتنع بشيء، لقوة دليل أو ظهور حقائق مقنعة كانت خافية عليه.
لكن حالة التكويع هذه ليست حالة وجدانية أو فكرية، بل يُخشى أن تكون حالة مرضية، تنبئ عن فساد نية وسوء طوية. حالة (سوقية) في الوقوف مع الغالب في كل الأحوال، كما أنشد ابنُ المخلِّطة:
دع الأتراك والعربا
وكن في حزب من غلبا
فقد قال الذين مضوا
ففي رجب ترى عجبا…