قصة قصيرة .. “ادمع الكأس”

بقلم:فاطمة عبدالله

 

على الجدار تراقصت الظلال بنشوة عارمة..كأنما تحول الحجر الصلد لآلات موسيقية صاخبة ..كل ما حوله يرقص بجنون …خيل له أن أطرافه انسلخت عنه وشاركت بالحفل الصاخب …دوي الطبول اخترق سكون عقله..تلك الضوضاء ازعجته …هو يعشق الهدوء والموسيقى الساحرة الكلاسيكية ..من أين أتاه هذا الضجيج…نظر لأعماقه باحثاً عن مصدره…لكنه صعق حين رأى نفسه فارغة.

هي عبارة عن تجويف لحفرة هائلة قاتمة السواد ..لا شئ غير الفراغ…لا أحشاء…ولا قلب…ولا رئتين…أين إنسانه …بنيته ..وأعضائه …تلمس رأسه بهلع ..أهو موجود …أجل ..أجل …ها هوذا….ردد بحيرة….غريبة ..اذا كان عقلي موجود ..فأين قلبي….وأين بعضي …بينما كان بمنتصف بحر حيرته المتقلب. ..إنتبه للسكون المهيب الذي عم المكان…أين الراقصون…وأين الطبول ..والضوضاء….كيف اختفى الجميع بلحظة….نفض عن عقله الحائر نسيج العناكب الممتد بلا نهاية……ومضت ذكرى بعقله المعتم.

تحت ظلال السنديانة الوارفة الظلال تشابكت أيديهما بحب وهيام. .. كانا ينهلان من معين الحب السرمدي …كل ماحولهما يعزف لحن جمال اللحظات….كانت تهمس له بحديث مملوء بالحب والعتاب …كأن يتأملها بعيني عاشق ولهان ..يستمع لعتابها ويبتسم ولا يرد بغير كلمة واحدة …أحبك…أنا أحبك…..
كما ومضت الذكرى اختفت بلحظات وحل محلها الزهول ….كان ينظر لما حوله بشرود تام كأنه يبحث عن شئ ضائع بكومة الأشياء حوله….و……سقطت الكأس من يده …وأخه الكري برحلة غير واضحة المعالم….ولحقته صورة جسده الفارغ بمنامه.

ومرت السنون.. وتفاقم حاله….اذداد الضجيج من حوله ..وتشوشت الصور …ولا شئ…سوى الفراغ………..أفرغ كل حياته بكأس…أذابها…ارتشفها بتلذذ….وارتشف معها أحلامه …وحبه ..وإنسانيته . …وككل ليلة….سقطت يده بجانب الجسد الواهن…وتدحرجت الكأس ….ساكبة معها …كل معنًى جميل أذابه بداخلها…..وسالت أدمع الكأس أنهاراً.

الجزيرة اليوم

رئيس التحرير عاصم الأمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى