بسبب الحرب .. سودانيون على أبواب الرزق في مصر

تقرير: ريم عثمان

 

 

 


اثرت الحرب السودانية على الشعب السوداني بأكمله، خاصة قاطني العاصمة المثلثة الذين كانوا في السابق بمنأى عن الصراعات المسلحة، وقد اضطروا لهجر منازلهم وأعمالهم توجهاً نحو مصير مجهول داخل السودان وخارجه.

مصر فتحت أبوابها للجميع في بداية الحرب وسهلت الدخول إلى أراضيها مما جعل الكثيرون يلجاؤن اليها.

أزمات معيشية كبيرة تواجه السودانيين الذين استطاعوا الدخول إلى مصر تمثلت في ارتفاع ايجارات السكن وترتيبات المعيشة، خاصةً وأن شعبها نفسه يعاني من التضخم وارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة.

لم يكن لغالبية السودانيين من فرصة لجلب مدخراتهم أو ما يعينهم على المعيشة في ظل الظروف التي خرجوا فيها وقد اعتمد أكثرهم بشكل كبير على مساعدات أهلهم خارج السودان، والتي لا يمكنها أن تصمد طويلاً، لذا تحتم عليهم ايجاد فرص عمل بصورة ملحة، وقد شكل ذلك تحدياً ملحاً جعلهم يتفننون في خلق هذه الفرص الصعبة .. ترى هل ينجحون فيما يسعون إليه؟

*أعمال فردية*
الكثيرون اتجهوا لمواصلة نشاطاتهم التي كانوا يمارسونها في السودان، وكان الاعتماد الأكبر على الاعمال الفردية التي تتم من المنزل، فلا قدرة على تكاليف تصريحات العمل ولا ايجارات المحلات ولا تجهيزاتها، التسويق يتم في اوساط السودانيين انفسهم بصورة مباشرة أو عبر الوسائط الاجتماعية، الجميع وجد فرصاً طيبة اعتماداً على جودة المنتجات والتسويق الجيد، الحظ الأوفر كان لأصحاب العلامات التجارية المشهورة، وقد ازدهرت سوق المأكولات والعطور وكل المنتجات السودانية التي تفتقدها مصر، المغالاة في الاسعار قللت من فرص الانتشار لمن لم يستطع أن يستوعب السوق المصري وأسعاره المعقولة، عائشة سعد صاحبة مطعم علوية للمأكولات والحلويات السودانية في الخرطوم عزت نجاحها لندرة المطاعم السودانية في الإسكندرية حيث استقرت حسب تقييمها، وتري سهير أحمد صاحبة مشروع لتركيب العطور السودانية أن صعوبة الحصول على المواد الخام بالإضافة لمشاكل التوصيل شكلت عائقاً لعملهم لكنهم مضطرون للمواصلة لتغطية تكاليف المعيشة في مصر رغم هامش الربح البسيط.

*مطاعم ومقاهٍ*
من استطاع توفير بعض الأموال كانت فرصته أوسع، مطاعم ومقاهي ومحلات تجارية تنوعت في درجاتها ومواقعها، البعض أكتفى بالمحلات البسيطة وسط الاحياء الشعبية وفي أماكن تكدس السودانيين، الأكثر استعداداً تمكنوا من فتح مقاهٍ ومطاعم فى الأحياء الراقية، يؤمها السودانيون المستقرون من قبل الحرب أو الذين يعيشون أوضاعاً ثابتة معتمدين على مصادر رزق مستمرة، صافيناز عبد الغفار صاحبة كافي بالإسكندرية تقول بإن خيار العمل الخاص أمر صعب في ظل تحديات ما بعد الحرب لكنه ضروري لاستثمار ما استطاعوا الخروج به من السودان من أموال، وقد تفنن الجميع في تهيئة أماكنهم بكل ما هو جاذب، وساعد في ذلك العدد المقدر من المبدعين السودانيين الذين لجاؤا للبلاد.

*حفلات تجارية*
حفلات الفنانين السودانيين بكل درجاتهم ساهمت في فتح ابواب الرزق للفنانين والعازفين ومنظمي الحفلات، وتختلف الحفلات من مكان لآخر ومن جمهور لجمهور، وتختلف اسعار التذاكر حسب الفئات، توفر هذه الأجواء شعوراً بالألفة وبالوطن أو تعوض بعضاً من إحساس الفقد الذي يعانيه الكثيرون وهم يرددون أغاني بلادهم التي حرموا منها بين ليلة وضحاها. الحفلات لم تقتصر على الغناء فقط، سوق الرقص أيضاً قد وجد حظه كما في السودان وانتشرت حفلات رقيص العروس (هي حفلات تقوم فيها أحدى مدربات تعليم الرقص للعروس السودانية باستعراض رقصات تدريبها مصحوبة بغناء نسائي شعبي اعتادت النساء على ترديده في تجمعاتهن ومناسباتهن الخاصة). وقد واجه المطربون انتقادات واسعة لإحيائهم هذه الحفلات بحجة أن ظرف الحرب لا يسمح بالطرب، ودفاعاً عن هذا الأمر وضح الدكتور الموسيقار أنس العاقب أن المبدعين يعانون كما البقية ولابد لهم من البحث عن مصادر للرزق، كما خرجت الفنانة الشعبية انصاف مدني بتسجيل مرئي توضح أن الغناء هو وسيلتهم الوحيدة لكسب الرزق بعد أن تركوا كل ما يملكون خلفهم شأنهم شأن بقية السودانيين.
* سوق عابرة للحدود*
سوق الاونلاين في التدريب هو أكثر الأسواق نجاحاً لأن اصحابه لم يتأثروا بالنزوح، بل أفادتهم جودة الأنترنت ووفرته في توسيع نشاطاتهم المتنوعة، المنافسة قوية مع الأخوة المصريين في المجالات العلمية والانسانية لذلك فأن الأمر قد يكون صعباً للمبتدئين، الدكتور طارق أحمد خالد يقول إن التدريب المهني مفتوح للجميع لكنه يحتاج إلى المعرفة والخبرة ولا وطن له لذلك قد يكون خياراً ممتازاً لمن يرتاده، وعن تجربته الشخصية في مجال التقنية الإلكترونية أفاد بأنها ناجحة لأنه ابتدأها منذ أن كان في السودان أبان فترة وباء الكورونا مشجعاً كل من لدية الرغبة والإمكانيات في المضي قدماً في هذا المجال.

 

 

*مهن رفيعة وأخرى هامشية*
المجال الطبي كان ضمن ما لجأ اليه السودانيون، غالبية الأطباء لم ينجحوا في استخراج تصاريح ممارسة مهنة لعدم وجود مستنداتهم الثبوتية، حيث تركوها خلفهم خلال رحلة نزوحهم مع كل مقتنياتهم ناجين بأرواحهم فقط، وعليه يسعي غالبيتهم لمغادرة مصر والاتجاه لدول أخري، وقد أعرب دكتور سوداني فضل حجب أسمه عن أسفه لعدم السماح له بعمل عيادة خيرية في أرياف مصر لعدم اكتمال اجراءات تسجيله. بعض الأفراد اتجهوا للتعامل مع الجانب التجاري في المجال الطبي، حيث كون خالد عثمان ومحمد ميرغني شركة سرمدا للخدمات الطبية وهي تقوم بتوفير علاج مخفض عن طريق بطاقات إلكترونية مخفضة لدي المعامل وبعض المستشفيات والأطباء.

 

*سوق المال*
م.أ سوداني يقوم بالتحويلات بين العملتين المصرية والسودانية أوضح أن سوق المال مزدهرة بشدة، ساعد في ذلك عدم اعتماد الجنيه السوداني في تحويلات البنوك وبذلك فأن السوق الموازي هو سيد الموقف، شارحاً أنهم يستخدمون تطبيق (بنكك) في عملهم، وهو تطبيق الكتروني للخدمات البنكية أنشأه بنك الخرطوم أحد أكبر البنوك السودانية، القانون المصري يمنع مثل هذا التداول ويعاقب عليه بالرغم من أن الغالبية يقتصر نشاطهم على العملة السودانية فقط متجنبين العملات الأجنبية الأخرى. موضحين بأن الأمر لم يقتصر على فرصة كسب المال فقط بل هي بمثابة مساندة ودعم للسودانيين في ظل ظروفهم الصعبة. البعض اتجه إلى المهن الهامشية المتاحة للسودانيين في مصر كعمالة المنازل والمصانع، وهو عمل شاق وأجره زهيد لا يلجأ إليه سوى المضطرين.

*التعليم والتنمية البشرية*
أكثر الأبواب طرقاً هو باب التعليم، يحتاج جميع السودانيون لمواصلة تعليم أبنائهم في المنهج السوداني، مئات المدارس السودانية أنشئت في مصر بعد الحرب، تقريباً كل مدارس الخرطوم عاصمة السودان التي اغلقت بسبب الحرب تم إعادة افتتاحها في مصر، يعيبها فقط الأسعار الخرافية التي لا تتناسب مع الظروف الاقتصادية للفارين من الحرب، خاصة المدارس الأجنبية، الأستاذ محمد صالح مالك ومدير تنفيذي بمؤسسة مدارس التعليم البريطانية أخبر بأنهم اعتمدوا نظام الاونلاين في مواصلة نشاطهم في مصر عبر برنامج خاص صمم بالنظام التفاعلي للمحاضرات بين المعلم والطلاب، هذا بالإضافة الي تؤامة مع مدرسة مصرية منهج بريطاني وشراكة مع مدرسة سودانية منهج سوداني عربي ومترجم لتفادي التكلفة العالية لأنشاء مدرسة مستقلة وبذلك تتحاشى وضع رسوم دراسية عالية.
دورات التنمية البشرية والتأهيل المهني أخدت مساحتها في سوق العمل بصورة أنيقة وبمبالغ عالية، أصحاب التعليم العالي والعاملون مسبقاً في هذا المجال ارتادوا الفنادق الكبيرة والقاعات الفخمة وسوقوا لأنفسهم بما يضمن استمرار مستواهم المادي وقد وجدوا فرصهم مع أولئك الذين لم تؤثر عليهم الحرب اقتصادياً، المهندسة لمياء موسي من الذين اختاروا مجال التدريب قالت بانها لم تواجه صعوبة في أخذ التصاريح لكن المنافسة قد تكون قوية مع المصريين وتقليل التكلفة على الدارسين هو المحك الذي تراهن عليه وستسعي كي تكون قيمة الكورسات في متناول الجميع سودانيين ومصريين على السواء.

*خدمات*
أما سوق الخدمات فهو باب مفتوح من قبل الحرب، والخدمات قد تكون البحث عن سكن أو توفير عمل أو حتى ترتيب للعلاج، وغالبية رواده ممن اعتادوا القدوم إلى مصر من قبل الحرب لمعرفتهم الجيدة بالمعيشة في مصر، مصطفي هاتريك أحد مقدمي الخدمات صرح بأن الأمر لا يخلو من طمع ومغالاة قد لا يحتملها السودانيون في ظرفهم القاسي لذلك فأن سوق الخدمات قابل لأن يفقد وجوده لو أستمر السودانيون ومن يساعدهم من المصريين في المغالاة، ومن أهم نشاطات الخدمات التقديم للجامعات المصرية حيث يحصل السودانيون على تخفيضات كبيرة في الرسوم للجامعات.

*العمل الطوعي*
بعض المنظمات الطوعية مثل منظمة ستم سودان سعت في مواصلة نشاطاتها في القاهرة، وهي منظمة تختص بتنمية الأطفال في مجالات العلوم والتكنلوجيا المخصصة للأطفال والشباب، وقد حظيت بدعم من مؤسسات عالمية منها اليونسكو وبرنامج المعونة الأمريكية في السودان، وبحسب حسن بابا مدير المنظمة فأن الوضع ليس سهلاً لعدم توفر المعينات مثل أجهزة التليسكوب ومعدات تدريب الأطفال وأجهزة الفعاليات في مختلف المجالات والتي تدمرت جرا الحرب في السودان واعتمادهم على التبرعات فقط لتوفير البدائل، كي يستطيعوا مواصلة عملهم الذي لا يعد مشروعاً مربحاً بقدر ما هو داعم للأطفال، الآن انتظمت المنظمة عبر بعض منسوبيها من الشباب من الجنسين في تجهيزات لإقامة فعاليات للأطفال والشباب في القاهرة مساهمة منها في تقليل الآثار المعنوية والنفسية للحرب.

*البحث عن فرص*
حتماً لن يتوقف الأمر وسيستمر السودانيون في خلق فرص جديدة ومتنوعة للعيش في مصر في ظل استمرار الحرب في السودان مستغلين كل ما هو متاح لاستمرار حياتهم وتسهيل معيشتهم بما يسمح به القانون المصري.

*ملخص*
وجد آلاف السودانيون اللذين لجأوا إلى مصر أنفسهم دون مصدر رزق يواجهون تحديات المعيشة دون ترتيبات أو معينات تساعدهم في ذلك فتوجب عليهم البحث والتنقيب عن فرص وخلق مصادر رزق بشتى الطرق، نجح البعض حتى الآن والبقية لا زالوا يحاولون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى