خواطر عائد في زمن النزوح (٩)

مصطفى هاترك

 

 

 

 

ياما في الأغاني معاني

و من المستغرب في الغناء السوداني و _السودانيون أهل فرح و طرب _ أنّهم يضعون ألحانا فرحة راقصة لكلمات ٍ حزينة النطق و المعنى ، خذ مثالا :
فات الأوان
و ال انكتب
على جبينا الليله بان
و قف قليلاً عند قوله (فات الاوآن هات الدموع عطِر صدي الماضي اللي كان)…. كل هذه الدموع التي زرفها محمد يوسف موسى تخرج في لحنٍ راقص ، هذا ما يسمى ( التمسك بالفرح) .

دعك من ذاك المثال و تأمل أنّ المرحوم عبد الكريم الكابلي لم يعجزه أن يلحن و يغني للفيتوري
شحبت روحي، صارت شفقاً
شعت غيماً وسناء
كالدرويش المتعلق في قدمي مولاه أنا
أتمرغ في شجني
أتوهج في بدني
غيري أعمى، مهما أصغى، لن يبصرني.

(نحن نثق في الله)
هكذا يكتب الأمريكان جملة عالية الإيمان عميقة المعنى على ظهر الدولار الذي صار بهذه الثقة حاكما لاقتصاد العالم شئنا أم أبينا.

الثقة في الله تعني الطمأنينة و الطمأنينة هي السكينة تلك التي وهبها الله جنده (( ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها)).

و الأمل من جنود الله سبحانه وتعالى التي لا نراها، الأمل طاقة دفع إيجابية ، الأمل بعض من تلك النفخة الإلهية التي جعلت من الطين إنساناً.

 

حكايات سمعتها من الأقارب و الأصدقاء و عن غيرهم
تتمحور حول مآسي الحرب، من فقد بيته، من فقد عمله، من فقد أسرة… و من فقد كل ذلك… تسمع الأذن حزناً و ترى العين يقيناً و ثباتاً و تمسكاً بالأمل.
إنّ هذا اليقين الذي تراه على الوجوه رغم المأساة فيض رباني و عطاء و منحة .

حدثني صديقي كيف أنّه فقد كل شي… البيت و السيارة و المؤسسة الخاصة و رغم ذلك كان يحدثني و ابتسامة رضاء على وجهه فقد سلم هو و سلمت أسرته ثمّ يقول
( كله بتعوض إن شاء الله).
اليوم أدركت لماذا نضع اللحن الراقص على حزين الكلمات… إنها ثقافة… ثقافة الثقة بالله و التمسك بالفرح
و ياما في الأغاني معاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى