إحذر.. أمامك خوارزميات

د. محمد بشير عبادي

 

 

 

كثيرا ما نشاهد علامات ولافتات في طريقنا أثناء عبورنا تحذرنا من وجود مطب أمامك أو تقاطع لسكك حديدية أو منعطف، تحذيرات من مخاطر محتملة قد تحدث أثناء رحلاتنا وتنقلاتنا في البرية، بالمثل هناك آليات ولافتات “سيبرانية” تقودنا إلى مواقع الخير أو السوء، مبشرة بما نتفاءل له أو محذرة من الوقوع في “مطبات” إسفيرية، إنها الخوارزميات.

و”الخوارزمية” (algorithm) هي مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة اللازمة لحل مشكلة ما، وسميت الخوارزمية بهذا الإسم نسبة إلى العالم المسلم” أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي” الذي كان أول من ابتكرها في القرن التاسع الميلادي.

 

وفي عصرنا الحاضر فإن إستخدام الخوارزميات أصبح حيويا في عدة مجالات منها الذكاء الاصطناعي وفي وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت الخوارزميات فيها  أدوات لتحسين تجربة المستخدمين وتوفير المحتوى الذي يناسب اهتماماتهم وتفضيلاتهم.

فهناك خوارزمية الأصدقاء والمتابعين للمستخدم، تنشر محتواهم،هذا يفرض تخير الأصدقاء حتى لا تزدحم القائمة الزمنية (Time line) بمنشورات غير مرغوبة للمستخدم وبقية أصدقائه،  فالصاحب بالصاحب والمرء على دين خليله، روى أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

هنالك خوارزمية الوقت وتعتمد على وقت نشر المحتوى، بحيث يتم عرض المحتوى الأحدث في القائمة الزمنية، وهذي تحتم على المستخدم التوقيت الجيد لنشر محتواه ليكون في الصدارة في لحظة المشاهدة المطلوبة، ليكون متابع ومشاهد لأكبر عدد من الأصدقاء والمتابعين.

توجد أعداد كبيرة من الخوارزميات، لكل واحدة منها وظيفة فمنها ما يعتمد على جودة المحتوى ومنها ما يعتمد على تفاعل الأصدقاء في موقع التواصل المعين و من الخوارزميات المهمة أيضا، خوارزمية “الاستجابة” وتعتمد هذه الخوارزمية على قدرة المحتوى على جذب انتباه المستخدم وتقوم بعرض المحتوى الذي يحصل على أكبر قدر من الاستجابة والتفاعل من المستخدمين.

 

لكن أخطر هذه الخوارزميات هي خوارزمية “التوصيات” ، حيث تعتمد هذه الخوارزمية على تحليل سلوك المستخدمين واهتماماتهم، وتقوم بتوصيل المحتوى المناسب والمتعلق بالاهتمامات الشخصية لكل مستخدم،فهي توفر المحتوى دون أن تطلبه مباشرة، فقط بمجرد التعرف على ميول المستخدم.

فالذي يركز في المحتوى الديني مثلا سيجد أمامه في القائمة الزمنية أن أغلبية المنشورات أو الفيديوهات ذات صبغة دينية والذي يهتم بالمنوعات سيجد تلقائيا أمامه كما هائلا من محتوى المنوعات.. وهكذا، كل ذلك عبر آليات عدة منها الوقت الذي يستغرقه المستخدم في مشاهدة مقاطع معينة منشورة أو التنزيلات التي يقوم بها لمحتويات بعينها أو أي إشارة إلى أن المستخدم مهتم بهذا المحتوى أو ذاك، كأنما الخوارزميات تخترق العقول أو تعلم ما تفكر به، هي بالطبع ليست أداة تعلم الغيب ولكنها أداة ذكية تترصد إهتماماتك، بصمت.

فكل مافي الأمر إنها حولت قانون الجذب إلى صيغة مادية محسوسة، فقانون الجذب  يقول:(إن قوة أفكار المرء لها خاصية جذب كبيرة جدا فكلما فكرت في أشياء أو مواقف سلبية اجتذبتها إليك وكلما فكرت أو حلمت أو تمنيت وتخيلت كل شيء جميل وجيد ورائع ايضاً ستجذبها) والرسول صلى الله عليه وسلم، يقول:(تفاءلوا بالخير تجدوه).
ويقول المولى عز وجل في سورة الكهف الآية”28″(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).

إن التطبيقات العملية للخوارزميات،ماهي إلا نموذج دنيوي بسيط لمراقبة النفس،بسببه قد تحث إلى الهداية أو إلى الغواية.. إنه نموذج يذكر بأن هناك رقابة عليا.. رقابة إلهية لا حدود لها تعلم السر والعلن هي رقابة الله عز وجل، اللطيف العليم الخبير.

هي دعوة للتفكر والتدبر في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الحاثة على المراقبة الذاتية للنفس، لنستيقظ من غفلتنا وننتبه، بأنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وأن وظيفة الإنسان في هذه الحياة الدنيا، هي العبودية الخالصة لله رب العالمين وعبادته ومايقرب إليه من قول وعمل وان إتباع الهوى فيه تفريط وبعد عن الجادة والاستقامة.

هذا وعد من الله تعالى أنه سيكشف للناس عن آياته في نواحي السموات والأرض وفي أنفسهم حتى يتبين لهم ويثقوا أن القرآن حق أنزله الله تعالى وما الخوارزميات وعملها إلا واحدة من الاكتشافات العلمية التي تسهم في ترسيخ هذا اليقين وفي الإبانة والبرهان والتحذير، بأن وعد الله حق ، ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) {فصلت،الآية 53} .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى