الزراعة هي المخرج

مختار مأمون

 

 

إن أمر الموسم الشتوي يظل مثيراً للقلق خاصةً زراعة محصول القمح وهو محصول إستراتيجي و سلاح فعال لا يقل تأثيره عن تأثير الأسلحة العسكرية في الحرب الدائرة الآن في السودان ومعركة الإنتاج لا تقل عن معركة الكرامة وتأمين الغذاء من العوامل الهامة في دعم المعركة الحربية و” من لا يملك قوته لا يملك قراره” وأن السودان بلد زراعي في المقام الأول ولديه من الإمكانيات الزراعية التي تجعله يملك قراره امام الطامعين في خيراته وموارده.

إلا أننا اصبحنا نشفق على الموسم الزراعي الشتوي وما تنشره الأجهزة الإعلامية حوله أدخل في نفوسنا القلق والخوف وقد تابعت غي الشريط الاخباري في قناة طيبة خلال شهر نوفمبر خبر لوزير المالية يقف على احتياجات الموسم الشتوي، إلى متى يظل وزير المالية يقف على الاحتياجات ونحن في الاسبوع الاخير من شهر نوفمبر الذي كان من المفترض ان تتم زراعة القمح في أوله حيث ان الزراعة مواقيت.

وخبر ثانِ مثير للاشفاق وخيبة الأمل مفاده ونصه : ( لجنة الإعداد للموسم الزراعي وضع سياسات لرهن أصول الدولة لتمويل الموسم الشتوي) لماذا رهن اصول الدولة؟! ولمن يتم رهن أصول الدولة!! وما هي هذه الأصول! ومتى كانت الدولة ترهن اصولها لتمويل الزراعة؟! وحتى إن كان لا بد مما ليس منه بد كم تستغرق إجراءات الرهن القانونية؟! وكم من الوقت يستغرق استيراد المدخلات؟ وعندها يمضي الوقت وتخرج الزراعة من ايدي الجميع .

وعشمي ان لا يكون ذلك صحيحاً. وحتى لا يضيع الوقت ندعو الدولة لتوفير مياه الري وان يتحرك امر التمويل للمزارعين ويحضرني في هذا المقام تصريح وزير الري في الإجتماع الذي تم في نوفمبر ب إدارة مشروع الجزيرة أعلن فيه ان وزارته على إستعداد لري مليون فدان تزرع قمحا بمشروع الجزيرة وتصريح محافظ المشروع بتوفير ٣٠ الف جالون جازولين للتحضير وبعد اسبوع ورد في رسالة الجزيرة للإذاعة جاء فيها ان الخطه التأشيريه للقمح هي 350 ألف فدان وكنا نطمع ان تزرع جميع الاراضي دون التغيير بالخطة التأشيريه لأن حال البلد يتطلب التركيز على الزراعة.

ومما يدعو للإشفاق في يوم 23 نوفمبر استقبل نائب رئيس مجلس السيادة وفداً من ولاية الجزيرة بحث معه العديد من القضايا الخاصة بالموسم الشتوي و الى متى يظل هذا البحث ونحن على اعتاب شهر ديسمبر.

إن ما يحدث في السودان من حرب ضروس إشتعل أوارها في العديد من الولايات يتطلب من الدولة وكل الجهات ذات الصلة بالزراعة تشكيل غرفة طوارئ للزراعة وان يكون الجميع في مواقع الإنتاج وهذه الغرفة لا يقل دورها عن غرفة العمليات الحربية وكلها تصب في مشكاة واحدة هي أمن وسلامة الوطن.

وعندما تضع الحرب أوزارها لابد من ان تتم معالجة آثارها التي احدثت اضراراً كثيرة بالبلاد وفي المقدمة إصلاح الزراعة والسودان من الدول المرشحة لتوفير الغذاء خاصة محصول القمح الذي تاثرت مناطق إنتاجه الكبرى بفعل الحروب وأن الدليل الحرب بين الإتحاد السوفيتي وأوكرانيا.

إن الإمكانيات المتوفرة في السودان لا تتوفر في كثير من دول إنتاج المحاصيل الزراعية ويكفي انه يملك اكبر مزرعة في العالم تدار ب إدارة واحده وتسقى بالري الإنسيابي.

والى متى نظل نهدر مواردنا التي حبانا بها الله. واذ شحذنا الهمم وشمرنا عن سواعد الجد لأصبحنا دولة تملك مقوماتها ولأصبحنا يهابنا الذين يملكون كل اسباب القوى ناهيك عن صغار الدول التي تصدر المرتزقة للنيل من السودان وعزته وسلامة اراضيه.

إن اصلاح الزراعة بالسودان عامة ومشروع الجزيرة بصفة خاصة يحتاج لعزيمة الرجال والمخلصين من ابنائه ان المشروع تعرض ومنذ سنوات خلت للتدمير الممنهج الذي شمل كل ركائز وعوامل نجاح المحاصيل حيث تم تدمير الهندسة الزراعية والهندسة المدنية ومكاتب الاقسام والتفاتيش و بيوت غفراء الترع وقناطر التحكم في مياه الري ايام كان فتح المياه في القنوات الفرعية يتم بين مهندس الري والمفتشين.

كما تقلص دور الإدارة على مستوى الغيط من لدن غفراء الترع والمفتشين ومديري الأقسام وتصاعد الأمر حتى مستوى الإدارة الزراعية والمحافظ هذا الى جانب التعدي على منشآت الري في القنوات الرئيسية والترع الفرعية.

وتراجع دور هيئة البحوث الزراعية بسبب نقص التمويل المالي للبحث العلمي وليس من نقص في العلماء الذين كان لهم دور كبير في نجاح العمليات الزراعية حيث تشكل الهيئة أحد أضلع المثلث الانتاجي( إدارة المشروع، وزارة الري وهيئة البحوث الزراعية).

حيث كانت توضع الخطط والبرامج والمحددات الفنية لتنفيذ الخطة التأشيرية لمساحات المحاصيل كافة في العروتين الصيفية والشتوية وحيث تعمل الهيئة على إستنباط العينات التي تزرع وكميات الأسمدة والمبيدات.

وتعمل وزارة الري على توفير المياه وفق خطة منظمة ومحكمة تبدأ من خزان سنار عبر ترعتي الجزيرة والمناقل والقنوات الرئيسية والفرعية حتى ابو عشرين. وتقوم إدارة المشروع بتحضير اراضي العروة الصيفية من شهري مارس وأبريل والعروة الشتوية من شهر أكتوبر.

ومنذ سنوات خلت فقد المشروع كل عوامل إنجاح المواسم الزراعية وتدنت معدلات الإنتاج وأصبح المشروع عبارة عن غابات على ظهر الترع و داخل الحواشات والغيط وأماكن صناعة الطوب وانتشرت حواضن الآفات من اشجار المسكيت والرامتوك والدهاسير وغيرها من الحشائش الطفيلية وغطى الطمي والحشائش القنوات وحتى المياه يصدر جزء منها متخذاً سبيله للنيل كما ساقية جحا كما جاء في المثل.

هذا بسبب التعدي على منشآت الري وغياب غفراء الترع الذين كانو يتحكمون في فتح القنوات وضبط المخالفات. وعمت الفوضى كل اقسام المشروع واصبح المزارعين و شركائهم يفتحون الترع بمفاتيح من عندهم وبعد ري محاصيلهم يتركون الابواب مفتوحة وتهدر المياه دون الإستفادة منها.

يحدث هذا من بداية الموسم وتحدث الإختناقات في ايام ذروة الإحتياجات لمياه الري و ننادي بعد نهاية الحرب والتي نأمل ان تحسم معركة الكرامة قريباً وبعدها لابد من الإهتمام بالزراعة و سوف لا تقوم للزراعة بمشروع الجزيرة وغيره من المشاريع بالبلاد قائمة ما لم تتم معالجة جذرية لكل اوجه القصور وما لم تضع الدولة كل إمكانياتها من أجل إنجاح الزراعة ضاعت الزراعة و ضاع السودان الذي تداعت عليه الأمم تداعي الأكلة على قصعدتها وأصبح السودان هدفاً للدول الطامعة في ثرواته وموارده في ظاهر و باطن الأرض.

وما الحرب الدائرة الآن إلا دليلاً ساطعاً على السعي لتنفيذ هذا المخطط الرامي لتفكيك السودان لدويلات تسهل السيطرة عليها. ولكن سوف لا يحدث هذا إطلاقاً طالما السودان يحرسه شعبه وقواته المسلحة التي لم تهزم في معركة خلال تاريخها الطويل الملئ بالبطولات والتضحيات. ونسال الله أن يحمي السودان من أعدائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى