الضحك في زمن الحرب ..مقاربات بين متناقضة الضحك والحزن

شرف محمد الحسن

 

 

 

ثمة علاقة ما تربط بين افراز الدموع لحظة الإنغماس العميق في الضحك، فكثير منا تسيل دموعه عندما يضحك من أعماقه.

قلت للصديق الفنان جمال حسن سعيد : لماذا توقف انتاجك في هذه الفترة وانت مبدع لك مساحة واسعة في الوجدان السوداني؟

أخذ جمال تنهيده عميقة ثم قال : أنا إنسان يتألم من شدة جراح وطنه، فكيف أضحك وأجعل الناس تضحك ووطني جريح ،، سيقولون أنني أتكسب بالكوميديا السوداء،، ثم سكت وعيناه تكاد تنزف.

يقولون انّ الضحك يميت القلب، وأيضا يقولون انّ الضحك يُنعش القلب، وما بين موت القلب معنويا وانعاشه صحياً تتداخل كثير من المفاهيم والمحاذير والإحتياجات.

عندما أجلس مع جمال أرى حياتي بكل جوانبها، فهو ممثل وكاتب ومخرج ومقدم برامج وشاعر ، لكن شدّ ما يشدك إليه أنك ترى فيه الوطن والحياة.

فهو راوي يجمع مفردات الهوية السودانية ويستعرضها في قالب مدهش يجعلك تتلمس ذاتك من كل اتجاه، هكذا كانت تجمع جلساتنا التي كنا نخطط فيها لانتاج سلسلة تراثية كوميدية بشخصية كرتونية يمثلها جمال حسن سعيد.

في جانب آخر ، جوار منزلي، كانت والدة الأخ بروف هشام عباس زكريا قد لزمت الفراش أكثر من شهر، غير أن شد ما كان يؤلمها ويؤجج مرضها هو غيابها عن بيتها الذي كان يضج بالحياة في كل جنباته، زارها الفنان جمال حسن سعيد وعندما جاءت لتسلم علينا بخطوات مرهقة، ما أن رأته حتى تفتحت اسارير وجهها ، ضحكت ملء شدقيها قبل أن تقول سلام عليكم، زال عنها كل الألم.

فجمال يعني بالنسبة لها كل لحظات الحياة والسعادة التي عاشتها في مجتمعها،، هكذا تسري الحياة في الأجساد التي تشبعت بعبق السودان وظلت تتنفسه وتسترجعه عبر هؤلاء الرموز الثقافية أمثال جمال.

بعيداً عن أيام الحرب وهجر البيوت وألم التشريد، كان الفنان ابوعركي البخيت في عز الفرح يشدو حاثا بالضحك، فيغني :

اضحكي وتضحك الدنيا وتطير،،
تصحي الكهارب في الشوارع وتندثر صور الموانع،،
تبدأ الاف المزارع والمصانع الروائع،،
ياروائع، اضحكي تضحك الدنيا وتفيض.

اضحكي باسم النغم،
اضحكي بتهدي انوار المواسم،
اضحكي بتضوئ نجمات المحنة،
اضحكي برجع الحب زماننا،
اضحكي بتحضن السفن المراسي ياروائع،،
أضحكي.

وفي لحظات الحزن والنحيب، حينما تتجلى أسمى لحظات التضحية من أجل الوطن تجد من أسارير وجه الشهيد تبرق ابتسامة تضيء من شفتيه ومقلتيه،، يضحك وجهه عز النحيب والألم،،
يضحك الشهداء فرحين،،
فالضحك يعني العطاء لحياة قادمة،،
يعني أن أشد الألم يكون لغاية الابتسامة.

نحن نتألم، نتوجع ولكن من بين ركام المعنويات تبرز ابتسامة للقادم.

مثل جمال حسن سعيد، وطن ، هوية وعَلَم ، ينبغي أن يظل مرفرفاً ، يحيى فينا أمل المستقبل عبر ضوء تاريخنا رغم ركام الحاضر.

وأنت – أخي وأختي ،، هل ماتزال عابساً؟ أم أنك تسرجع في دواخلك لحظات الفرح من أجل رحلة المستقبل ؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى