في البحث عن الغابة والصحراء (1)

بقلم:  هشام عباس زكريا

 

ليس في يد أحد بالطبع حلول الأزمة التي يمر بها السودان.

فلا بد أن تتكامل القناعات والمبادئ أولاً ثم تتشكل في رؤى نابعة من التخصص في بلد عرف التعليم باكراً من خلال مؤسسات جامعية بدأت تقدم مواكب خريجيها منذ العام 1910.

ويبدأ الحل بالإجابة الموضوعية عن السؤال الجوهري لماذا فشلت النخب في إدارة السودان رغم الإرث التاريخي والحضاري والعلمي؟

ولماذا لم نستطع خلال قرن الانتقال إلى المجتمع المدني الذي تتراجع فيه مظاهر الانتماء القبلي وتبرز فيه قيم الاحتفاء بالتخصص والمعرفة والعلم؟!

 

إن أول مظاهر الأزمة، في تقديري،
هو فشل النخب في توظيف المعطيات الاجتماعية للشعب السوداني في المخرجات التنموية والإدارية.

فنحن كأفراد نقدم نماذج متفردة من التعايش والتعاون، ولكننا نفشل في استخدام هذه المعطيات في إدارة المشاريع التنموية، فتبرز الخلافات الإدارية باكراً في المشروعات التي هي أساس التحول للمدنية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال النظر للمدنية من زاوية ضيقة تختزلها في أنها تخلي العسكر عن الحكم فقط.

ولكن المدنية تعني أيضاً الاهتمام بالمشاريع والمؤسسات الكبرى التي تصهر المجتمعات.

وتبرز ثقافة التسامح والتعايش وقبول الآخر، مثل مشروع الجزيرة والسكة الحديد والنقل النهري والمصانع الضخمة وغير ذلك.

إن فرض سيادة الدولة وتحكيم القانون وشغل الشعب ببرامج التنمية هي أولى التحديات التي تواجه البلاد بعد الخروج من هذه الأزمة التي تحتاج لعقول الحكماء والوطنيين والمستوعبين لبواطن المشكلات الاجتماعية للبلاد.

 

في ظل مرحلة تستوجب الاتفاق والالتفاف حول قيادة واعية مدركة لبناء مستقبل للسودان يتسق مع ثرواته وإمكانياته.

إن السبب الرئيسي لهذه الأزمة التي نعيشها، من وجهة نظري، هي فوضى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يوجد قانون يضبطها كسائر الدول، فأصبحت مكاناً للتفرقة وبث الأحقاد الاجتماعية والكراهية.

وسيطر عليها من لا يعرفون قيمة الوطن، وجعلوها منها منصة عجلت بالحرب، ومضوا ليشعلوا فتيل التحريض دون أن يجدوا رادعاً قانونياً.

وقد كتبنا عن ذلك منذ سنوات دون أن نجد أي اهتمام من أي جهة، وكان نتيجة ذلك بروز الثقافة الهابطة والسياسة الهابطة التي جعلت من أناس لا يدركون خطورة ما يقولون نجوماً في المجتمع لهم من يتابعهم ويقتدي برأيهم.

 

وبذلك لم نستطع تقديم القدوة الحسنة لأبنائنا وبناتنا، وجعلنا مستوى إدراكهم ينحدر إلى درك بعضا ممن سموا أنفسهم بالناشطين.

 

إن الحل في تقديري يبدأ من إعادة مناهجنا التربوية لتراعي هذا التنوع الذي نعيشه في السودان، والبدء بإدخال مقررات ثقافة الاتصال منذ المراحل الابتدائية، فالاتصال الموضوعي المبني على معرفة هو الذي يبني الأوطان، ويخلق مجتمعاً متجانساً تتضاءل فيه مظاهر العنصرية والطبقية.

وهذا لا يتأتى إلا برؤية شاملة للتطبيق الصحيح للحكم الفدرالي، الذي لا يعني تقوقع كل ولاية في محيطها.

 

ومما لا شك فيه أننا نحتاج لوقت طويل لإزالة آثار الحرب التي نأمل أن تنتهي قريباً، والتي تضرر منها كل أفراد الشعب السوداني.

وتبرز ما بعد الحرب قضايا يجب أن يتم حسمها بقوة الدولة التي فقدناها، وبالقوانين التي تعود بالأمن والاستقرار.
ونواصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى