*إدارة التنوع أم الاحتفاء والاحتفال والقبول الايجابي بالتنوع ورعايته والحفاظ عليه*

 

بقلم: د. محمد السيد

*اشكالية مصطلح إدارة التنوع*

لدى إستشكال منذ فترة، على مصطلح” إدارة التنوع”، وهو فى أصله ترجمة لمصطلح coined أو صك فى الغرب يعرف ب:
Management of Diversity.

والكلمة Management فى المجتمع الغربى، تنبئ عن محاولة السيطرة والتحكم ” ولملمة” مشكلة ما، واحتوائها حتى لا تخرج عن الطور.
وتلك نظرتهم للتنوع العرقى والثقافى، باعتباره مشكلة، تحتاج “لمباصرة” ومعالجة، ومحاصرة تخفف من الآثار السلبية لها.
ومن ناحية أخرى ، ففى مثال المسلمين- وليس واقعهم- يمثل التنوع حقيقة كونية، جديرة بالاحتفاء والاحتفال، وآية من آيات خلق الله- الذى احسن كل شئ خلقه.

*التنوع: قانون كونى*

” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ *وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ* كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28] صدق الله العظيم.

*التنوع شرط للاعتمادية وقيمة مجتمعية*

.نظرت في شروط الاعتماديه لبرامج الإعلام المقرره من أهم منظمه عالميه AEJMC.ومن شروطهم الاساسيه :التنوع DIVERSITY.

وذات الشرط يتوقف عليه اعتماد
accreditation
كثير من مؤسسات التعليم فى الولايات المتحدة.

أقصد التنوع البشري في الجسم الطلابي، و في الهيئه التدريسية، و بلا أدني شك في محتوي المقررات واحدا واحدا.

والامر نفسه ينطبق علي كل مؤسسات العمل العام والخاص.

الاحتفاء بالتنوع، صار سياسة يحرسها القانون، وثقافة يتشربها المجتمع، واخلاقا يلتزم بها الناس، وعرفا ترعاه المجتمعات .

وانعكس ذلك كله اعلاما وفنا.

الا ترون المسلسلات والبرامج الحوارية والافلام ونشرات الاخبار، تمثل فيها كل ألوان الطيف العرقي.

*تدبر في الآية 28 من سورة فاطر*
الان لنرجع الي الايه 28 من سورة فاطر، التي صدرت بها هذا القول.
واكاد اقسم، ان لو كانت هذه الايه في كتب الغرب- قديمها أو حديثها- لملئوا بها الآفاق تبشيرا ودعاية، ولفرضوها قانونا، و أوقعوا جزاءات علي من خالفوها: مقاطعة اقتصاديه، وتضيقا وحصارا دبلوماسيا، وملاحقة قانونيه.

التنوع في هذه الايه قانون كوني: يستغرق ثمرات النبات، وعوالم الجماد. والإنسان والحيوان .
التنوع آيات يدرك كنهها، ويسبر غورها العلماء المتقون- كما تقرر خواتم الايه.
اقول هذا، لأن أهل الإسلام غفلوا عن ذلك، وضلوا ضلالا بعيدا، وارتدوا عصبيات وجاهليات، فرحت بعرقها، ولونها، وثقافتها، وجعلت سياساتها استعلاء علي بني آدم.

*الحفاظ على البيئة وحماية الانواع المهددة بالانقراض*
*Preserving nature and protecting endangered species*

والايه لاتقف عند حدود الاحتفال بالتنوع بين البشر، بل تتجاوز ذلك، دعوة للحفاظ علي تنوع البيئه: استدامه لنباتها، وحيوانها، وجمادها- مما تجاهد فيه جمعيات حمايه البيئة، من انقراض الكائنات، وتغير المناخ؛ جراء احتباس حراري، وتلوث بدخان الصناعات المميته.

*التنوع اعتراف متبادل وقبولى ايجابي وتوجه نحو أخوة الايمان*

والآية الأخرى التي تحتاج منا لتدبر واتباع هي آية:
*يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.*
الكلمة المفتاحية في ظني هي كلمة “لتعارفو”.
التعارف: الاعتراف (مثلما تعترف الدول ببعضها كالقول: ولدت اليوم دولة جنوب السودان، وكان اول الدول التي اعترفت بها هي دولة السودان.
Sudan is the first country to recognise the new country of South Sudan.)
التعارف: التواصل الحميم المتبادل لتعريف وتقديم كيان لنفسه وشرح خصوصيته للآخر وعكس ذلك، ومن ثم القبول المتبادل بين الطرفين.
التعارف: التواضع والاتفاق على:
ان مقياس الكرامة الإنسانية لا علاقة له بالعنصر أو الجهة أو الانتماء لمجموعة، بل المقياس الوحيد هو “التقوي” وهي كسب مفتوح لأيٍ كان: والتقوى لا أحد يعلم حقيقتها- الا الله، علام الغيوب- لأن جوهرها من أعمال القلوب والضمير، وهي غيب.
ولكن آثار التقوي ظاهريا: الأعمال الصالحة المشهودة- بائنة النفع والفائدة للناس:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف *وخير الناس أنفعهم للناس)* رواه الطبراني في الأوسط ، وفي رواية من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا رسول الله ! أيُّ الناس أحبُّ إلى الله ؟ فقال : *أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس*، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة شهرا…) رواه الطبراني في الأوسط والصغير.

*التنوع والتعارف*
التنوع: أمر تكويني قدري وابتلاء خلقي ليس لاحد فيه اختيار
التعارف: أمر وحكم شرعي مطلوب من المؤمنين اتباعة اختياراً- استجابة للابتلاء القدري:
*ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ*
خلق الحياة: أمر قدري تكويني وابتلاء (ليبلوكم)
أيكم احسن عملا: أمر وحكم شرعي ومطلوب من المؤمنين استجابة لابتلاء خلق الحياة.
التنوع: ابتلاء
التعارف: خروج من ابتلاء التنوع إلى وحدة الاخوة: إنما المؤمنون اخوة.

*التنوع وخطاب الناشطين المتفكرين بالإسلام*
والأهم من ذلك، أن لو اتخذ ناشطوا الإسلام من التنوع دستورا ناظما لفعلهم، و سياسة في اجتماعهم، وفكرا يجاهدون به؛ لما غضب أهل الجنوب، وزعل أهل الغرب والشرق، وماغبن نوبة أو انقسنا.
ولكان ما خطه المحتجون منهم وكتبوه- إلا قليلا منه- وثائق نتدارسها، ونتجادلها، حسني، وحميم ولايه:
*”وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى